الملك: الربيع العربي دعوة للكرامة والعدل والحرية ولا رجعة عن المطامح الشرعية للشعوب....اضافة ثانية
سؤال: كيف يحاول الأردن تحديد موقعه في خضم الديناميات المتغيرة إقليميا؟
جلالة الملك: إننا نحاول إن نكون مبادرين إيجابيين لا مجرد مستجيبين للتطورات، ونسعى كي نؤثر في مسار التغيير بما يخدم السلام والاستقرار ويدفع باتجاه التعاون الإقليمي الأوسع، وأن نخلص للمبدأ الراسخ لدينا والمتمثل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.
وكما ذكرت آنفا، فإن عملية السلام تظل بالنسبة إلينا أولوية وقضية مركزية، ذلك أن تحقيق السلام الدائم الذي يؤدي إلى استعادة حقوق الفلسطينيين المشروعة هو ليس هدفا سياسيا إقليميا فحسب، بل أيضا مصلحة وطنية بالنسبة للأردن، بالمقابل فإن فرصة السلام القائمة حاليا تتلاشى بسرعة، والخيارات تنفد منا جميعا فلسطينيين وإسرائيليين ومجتمع دولي، وهذا هو السبب الذي جعلنا نضاعف جهودنا، واستطعنا في وقت سابق من هذا العام أن نجمع المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين في عمان لأول مرة خلال 16 شهرا. لقد كانت مجرد مباحثات استكشافية، ولكن لا يوجد صراع تم التوصل إلى حل له بدون المفاوضات.
سؤال: لقد حذرتم جلالتكم قبل ما يقرب من العقد من هلال شيعي ، ما مدى ما تشعر به من قلق حيال تأثير إيران في المنطقة؟ وفي العراق؟ وهل يمكن أن نشهد صراعا طائفيا أوسع في المنطقة، نظرا لما نجد فيها من استقطاب كبير؟ وما هو الحل لتجنب حدوث اسوأ السيناريوهات؟
جلالة الملك: إحياء عملية السلام عنصر أساسي لنزع فتيل أي مواجهة مع إيران. فعلينا أن نعاود التركيز على حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يوفر هذا الصراع القائم مادة دسمة لأي كيان يريد كسب التأييد العاطفي من قبل مليار مسلم حول العالم.
ويظل الأردن من ناحيته حاسما في موقفه، ذلك أنه في الوقت الذي يجب على إيران أن تظهر نية حقيقية في تنفيذ التزاماتها الدولية، فإن أي عمل عسكري ضدها قد يفاقم حالة انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط ويكون له نتائج سلبية على الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل. والمنطقة لا تحتاج إلى أزمة جديدة في هذه المرحلة.
أما بالنسبة للعراق، فهو جار مهم جدا، وبالتأكيد فإن الأردن يراقب الوضع هناك عن كثب بعد الانسحاب الأمريكي. والمصالحة وبناء الدولة أمران أساسيان بالنسبة للعراق في هذه المرحلة، ونحن مستعدون لدعم أي حوار أو مساع جماعية لتحقيق الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي والرفاه العام للشعب العراقي.
سؤال: من خلال تقييمكم، هل ساعد الربيع العربي في تمكين الجناح الأكثر تقدمية في حكومتكم وكذلك في تطور الأردن؟
جلالة الملك: لقد شكل الربيع العربي فرصة رائعة بالنسبة للأردن. وقد كنا نتحدث عن الاصلاح خلال السنوات الإثنتي عشرة التي سبقته، من تحرير القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما فيها الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتجارة الحرة، حيث كنا أول دولة عربية توقع اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة عام 2000، وكذلك وقعنا اتفاقية مماثلة مع تركيا عام 2009 ومع العديد من الدول.، بالإضافة إلى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وكان الهدف من جميع هذه الخطوات التمهيد لبروز الطبقة الوسطى الآمنة والمنتجة والواثقة لتكون حجر الزاوية في التنمية الأردنية والعمود الفقري للحياة السياسية والاقتصادية. ولا يمكن للطبقة الوسطى أن تزدهر إلا في ظل نظام ديمقراطي، وقد كان من الواضح لي وللعديد من الأردنيين رجالا ونساء الذين قادوا التغيير عبر السنوات العديدة الماضية أن اصلاحنا الاقتصادي المتنوع والشامل يجب أن يتكامل مع إصلاح سياسي متنوع وشامل بنفس الدرجة.
ولكن فيما يتعلق بالإصلاح السياسي الجوهري، فقد كنا نجد دائما مقاومة وممانعة شديدة من الداخل. وقد أطلق البعض على هؤلاء: الحرس القديم، وهو الوصف الذي استخدمته شخصيا، فيما أشار آخرون إلى مصالح راسخة، وتحدث غيرهم عن الخوف من التغيير. ولهذا قلت شخصيا إن الإصلاح في الأردن "ظل يتقدم حتى نهاية العام الماضي خطوتين إلى الأمام ويتراجع خطوة إلى الخلف".
ثم جاء الربيع العربي ومكننا من التغلب على المقاومة لإحداث التغيير والمضي بإصلاح طموح متسارع وأكثر شمولية.
سؤال: هل لكم أن توضحوا الإصلاحات الديمقراطية التي تم تنفيذها في بلدكم في الماضي وتصفون آثارها التي تحققت لغاية الآن؟ كيف ترون ما سيتحقق مثاليا فيما تبقى من عام 2012 من حيث الانتخابات والإصلاحات السياسية في الأردن؟
جلالة الملك: أنا متفائل حيال 2012 وواثق أنه سيكون عام الإصلاحات الرئيسية. فنحن نملك خارطة طريق واضحة وهدفا نهائيا متفقا عليه، وهو الحكومة البرلمانية. وقد تحدد البرنامج الزمني لتحقيق ذلك، وأمام الحكومة والبرلمان مهمة شاقة متمثلة في عشرات القوانين السياسية التي يجب صياغتها وسنها. ولكنهم يسيرون حسب الجدول لغاية الآن، ولن أمل من القول إن هذه التغييرات ما هي إلا البداية، لا النهاية.
وقد بدأنا في أوائل عام 2011 بإنشاء لجنة الحوار الوطني التي أعطيت صلاحية إصدار توصيات تتعلق بقانوني الانتخابات والأحزاب السياسية الجديدين. وعلى مسار مواز تقريبا قامت مجموعة من كبار رجال الدولة الأردنيين ضمن لجنة ملكية، بإجراء تعديلات مقترحة على الدستور. وقد ناقش البرلمان هذه التعديلات وأقرها في أيلول 2011. ونحن نتحدث هنا عن 42 تعديلا من مجموع المواد الدستورية البالغة 131 مادة، أي أن التعديل طال ثلث الدستور. وهناك محكمة دستورية ولجنة انتخابات مستقلة في طور الإنشاء. وقد أدخلت ضمانات حقوق إنسان فعالة وتم تقييد قدرة الحكومة على إصدار قوانين مؤقتة ووضع آليات للتدقيق والمساءلة.
وكانت هذه التعديلات الدستورية العلامة البارزة الأولى في الطريق، وكان المعلم الثاني مسودة قانون أحزاب سياسية رفعت للبرلمان اخيرا. ومن أعمدة استراتيجية الإصلاح لدينا تقوية الأحزاب السياسية بهدف تنمية الحياة الحزبية وإنشاء نظام حزبي ناضج وفعال.
أما الخطوة الرئيسية التالية فهي قانون انتخاب جديد يتوقع تقديمه للبرلمان في آذار. وهذا التشريع وقوانين أخرى سوف تمهد الطريق أمام إجراء انتخابات بلدية وبرلمانية أكثر شفافية وحرية ونزاهة.
يتبع..... يتبع.
--(بترا)
س ج/خ
3/3/2012 - 11:00 ص