يسابق جلالة الملك عبد الله الثاني، الزمن ويجدد جولاته العالمية ويحط هذه المرة في اليابان شرقاً، حيث يبدأ ثم الى فيتنام وسنغافورة واندونيسيا وباكستان، ليتيح لنفسه وللقادة الذين سيلتقيهم فرصة الاطلاع على مواقفهم ودفعهم باتجاه مواقف تساعد الشرق الأوسط على اطفاء الحرائق ومنع تفاقم العدوان الاسرائيلي ومساعدة غزة لتأبيد وقف اطلاق النار وفتح باب المساعدات ولاسنادها والانسحاب الاسرائيلي منها واعادة بنائها لصالح اهلها
كانت الجولات الملكية السابقة في أوروبا وقد أعطت ثمارها في تعزيز المطالبات الدولية بحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي حذر الملك من استمرار عدم قيامها، ليربط بين عدم قيامها وبين الجحيم الذي ينتظر المنطقة، حين تواصل اسرائيل عبثها باستقرار وتوسع دائرة عدوانها باتجاه لبنان وسوريا كما تفعل الآن.
حذر الأردن من أحداث ومتغيرات اضافية في الضفة الغربية ومن المخططات الاسرائيلية الداعية لضمها وحث الادارة الأمريكية على العمل من أجل ذلك، وأثمرت جهوده في موقف أمريكي محذرا اسرائيل بعدم الاقدام على هذه الخطوة.
الملك سيجد متسعاً من الوقت للحديث مع قيادات في باكستان واندنيسيا، الدولتان المسلمتان الكبيرتان اللتان شهدتا قمة شرم الشيخ وساهمتا في قراراتها وتعهدتا ما التزم به الآخرون ليذكر بذلك.
الملك لم يكن راضياً تماما عن قرارات شرم الشيخ، ولكنه ظل يؤمن بالتغيير من داخل الموقف الدولي لتعديله بما يتناسب نسبياً مع الموقف العربي والموقف الوطني الأردني، الذي ظل يرى في اقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس مصلحة وطنية أردنية.
سمعنا جواب الملك الشجاع والواضح حين قال لن أرسل قوات مسلحة الى غزة واشترط أن يكون ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة عملياً وليس شكلياً، وأن يكون ضمن قوات دولية بعد انسحاب اسرائيل من غزة، وأن هذه القوات لن ترسل طالما كان الاحتلال موجودا في غزة.
سمعنا إجابة الملك الشجاعة، ولم نسمع السؤال الذي لولاه لما أجاب الملك، فالسؤال غير المعلن له كان صادماً وفي تحد كبير والإجابة جاءت عبر مقابلة الملك ل BBC، ووسائل أخرى، وكشفت المستور من الرغبة التي تقف وراء ذلك، فكان كلام جلالته منطلقاً لدول أخرى في العالم شهدت شرم الشيخ، وتعاملت مع قراراتها وأخذت بنفس الموقف الأردني، كما جاء في تصريح اذربيجان على لسان رئيسها أنها ايضاً لن ترسل قواتها طالما كان الاحتلال في غزة قائما.
الأردن لم يستنكف يوماً عن مناصرة جهود الأمم المتحدة والانخراط في أهدافها النبيلة على كل المستويات الانسانية في دعم وكالة الغوث والعمل بقوة لاسترجاع دورها وموازنتها لتادية رسالتها، وعلى الصعيد الأمني حين كان الأردن، ومنذ زمن الملك الراحل الحسين، من اوائل الدول استجابة للمبادرات الأممية في تشكيل قوات حفظ السلام التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في مناطق النزاع، فكانت القوات المسلحة الأردنية، بأجهزتها المختلفة في البوسنة وهاييتي والكونغو وكرواتيا، وعديد من الدول والمواقع، وقد أثنى العالم على هذه المواقف الانسانية التي صنفت الأردن في مواقع متقدمة من الحرص على السلام والأمن الدوليين والمساهمة في ذلك.
اليوم وفي الجولات الملكية، يحذر الأردن الذي تتصدر القضية الفلسطينية جدول أعماله مع دول العالم المختلفة من مغبة استمرار العدوان الاسرائيلي، ويطالبه بوقفه والكف عن التوسع بالاستيطان وعن ممارسات الابادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب وممارسة العنصرية واعتداء المستوطنين على القرى والمدن والمخيمات في الضفة الغربية التي تدفع اسرائيل باتجاه المزيد من تفجير الأوضاع فيها وهو ما يؤذن بخطر محتوم.
يحرص الملك على استمرار وقف اطلاق النار في غزة، ولا يرى أن الحجج والذرائع الاسرائيلية، تبرر استمرار العدوان ويرى ضرورة احترام الارادة الدولية التي جرى التعبير عنها حتى في قمة شرم الشيخ والقرارات الأممية الأخرى ويطالب بدور أوسع للأمم المتحدة وعدم تفرد اسرائيل بالقرارات وفرضها لتصوراتها أو الاعتراض على الدول المشاركة الى غزة
ما زال الرهان على موقف اكثر حزما ووضوحاً للادارة الأمريكية للامساك بوقف اطلاق النار والدخول الى المرحلة الثانية من اتفاقات شرم الشيخ، وهي مراحل من الانسحاب وادخال المساعدات المختلفة التي منعتها اسرائيل، وما زالت تماطل في ادخالها، وكذلك اعادة الاعمار وادخال مواد البناء.
ورغم أن وقف اطلاق النار الذي تخترقه اسرائيل باستمرار وتجعله هشاً رغم أن ما زال صامدا، الا انه يحتاج الى مزيد من الصيانة والعمل ومغادرة المرحلة الأولى الى مراحل تزيل آثار العدوان عن غزة، وتسمح لشعبها في البقاء على أرضه، مهما كانت التبدلات التي احدثها العنوان في الانصراف الى عنوان آخر، كنزع سلاح المقاومة والمطالبة باستسلامها والحديث عن اشتراطات كانت اسرائيل تراها محصلة في الادعاء بنصرها دون ان تحقق منها في عملياتها العسكرية شيئاً وتريد الالتفاف وتحقيق ذلك بالضغط على المدنيين في حياتهم وابتزاز العالم واستمرار تهديد المنطقة.
الجولات الملكية تحمل الكثير وتريد لدول العالم أن تشارك بزخم اقوى في ترسيخ السلام وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة كلها..