عمان 18 شباط ( بترا ) – من بشار الحنيطي واخلاص القاضي – ينوه متخصصون بانه لا يوجد نظام ضريبي مثالي , لان لكل دولة خصوصيتها وموازنتها , لكن من المفترض باي نظام ضريبي ان يراعي الامكانات المتواضعة للفئات المختلفة في المجتمع وان يحافظ على الطبقة الوسطى فيه وان يطبق على الجميع دون استثناء .
ويؤكدون لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) ان السياسة الضريبية الامثل هي التي توازن بين الكفاءة والعدالة في ظل نظام صارم من المراقبة والمحاسبة والمتابعة والتدقيق ما يدعم بيئة اقتصادية مستقرة تنعكس على بيئة اجتماعية مستقرة وآمنة .
ويقولون اننا في وقت احوج ما نكون فيه الى هيكلة النظام الضريبي لمنع تآكل المداخيل ولحماية الامنين الاجتماعي والاقتصادي لافراد المجتمع .
يقول وزير الاقتصاد الوطني الاسبق سامر الطويل انه وبعد مرور اكثر من عشرين عاما على بدء برامج الاصلاح الاقتصادي في المملكة تبين ان لهذه البرامج اثارا ايجابية , لكن بذات الوقت عليها ملاحظات وسلبيات مضيفا انه وفي مقدمة تلك السلبيات , الانعكاسات الاجتماعية لهذه البرامج التي تظهر بوضوح من خلال مراقبة ارتفاع نسب الفقر والبطالة , وانخفاض مستوى حجم الطبقة الوسطى منذ بداية هذه البرامج بمقارنتها مع حجمها الحالي .
ولعل اهم ما يمكن اعادة النظر فيه لمعالجة تلك الانعكاسات السلبية وفقا له هو مراجعة السياسة الضريبية بشكل يسهم في اعادة التوازن الاجتماعي وردم الهوة بين فئات المجتمع واعادة الاعتبار للطبقة المتوسطة المداخيل , الامر الذي يعد احد اهم الاهداف التي وضعت للحكومات المتعاقبة .
وحول السياسة الضريبية الحالية يقول " ان تلك السياسة التي نفذت منذ بدء برامج الاصلاح الاقتصادي تمثلت بزيادة الاعتماد على الضرائب غير المباشرة خاصة ضريبة المبيعات التي تصاعدت نسبتها خلال السنوات الماضية من 7 بالمئة الى 16 بالمئة , ووصلت لاحقا الى الضريبة الخاصة التي فرضت على مجموعة كبيرة من السلع كالبنزين والاتصالات الخلوية وغيرها من الضرائب غير المباشرة التي تفرض عادة على الاستهلاك وليس على الدخل " .
ويقول انه وفي المقابل فقد تراجع التركيز على الضريبة المباشرة التي تتمثل بشكل رئيسي في ضريبة الدخل حيث استمر التخفيض في نسبتها العامة الى ان وصل الى 14 بالمئة حسب قانون ضريبة الدخل المعمول به حاليا والصادر في نهاية 2010 .
ولاظهار حجم المشكلة الضريبية التي يعاني منها المواطنون كشف الطويل عن ان " المملكة هي احدى ثلاث دول على مستوى العالم تزيد بها ضريبة المبيعات على ضريبة الدخل " , مبينا ان السياسة الضريبية الحالية تسهم بطبيعة الحال في الحد من الاستهلاك ما ينعكس سلبا على النمو الاقتصادي الفعلي وعلى مستوى معيشة غالبية المواطنين خاصة ان معظم الاردنيين من ذوي المداخيل المتوسطة والمتدنية التي لا تمكنهم من تحمل ضريبة مرتفعة على الاستهلاك .
ويؤكد الطويل ان السياسة الضريبية المتبعة تخالف من حيث المضمون نص المادة 111 من الدستور الاردني التي تلزم الحكومة الاخذ بمبدأ التكليف التصاعدي على الدخل في فرض الضرائب وان لا تتجاوز هذه الضرائب قدرة المكلف على الاداء وان تراعي مبادىء العدالة الاجتماعية .
ويؤكد كذلك ان جزءا من السياسة الضريبية وضع بهدف جذب الاستثمار , الا ان الدراسات العالمية التي صدرت بخصوص ذلك تبين ان زيادة حجم الاستهلاك وزيادة القدرة الشرائية للمستهلكين في أي بلد , اضافة الى انخفاض كلف الانتاج والنقل والتسويق تعد من الحوافز الرئيسة لتشجيع الاستثمار , وان الاعفاءات الضريبية ذات اثر هامشي في جذبه مشيرا الى ان هذه حقيقة واضحة نلمسها عبر تجربة المملكة في جذب الاستثمارات المحلية والاجنبية .
ويعتقد بانه من الاهمية بمكان اعادة النظر في السياسات الضريبية المتبعة بحيث تخفض الضرائب غير المباشرة المفروضة على الاستهلاك وخصوصا السلع والخدمات التي تستهلك من قبل غالبية المواطنين من ذوي المداخيل المتوسطة والمتدنية .
ويوضح " انه لا بد من زيادة الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات الكمالية التي يستهلكها المقتدرون مع زيادة الضريبة المباشرة ( ضريبة الدخل ) وتطبيق الضريبة التصاعدية على الافراد والشركات من ذوي المداخيل المرتفعة لتسهم السياسة الضريبية في تحقيق الهدف الاساس المتمثل باعادة توزيع الثروات وتوفير حالة من العدالة والتوازن الاجتماعي" .
كل هذه المقترحات المفترضة لاعادة النظر في السياسة الضريبية لا تتعارض بحسب الطويل مع مبادىء الاقتصاد الحر او اتفاقية منظمة التجارة العالمية , او أي من اتفاقيات التجارة الحرة , وهي مطبقة في معظم دول العالم .
وفي هذا السياق يؤكد ان " الخلل في السياسة الضريبية هو السبب الرئيس للانعكاسات السلبية الاجتماعية التي ترتبت على برامج الاصلاح الاقتصادي خلال السنوات الماضية " .
السياسة الضريبية في الاردن بحاجة الى تعديلات اساسية تتوخى العدالة وتراعي الابعاد التنافسية للاقتصاد الاردني , هذا ما يراه مدير المرصد الاقتصادي في الجامعة الاردنية الدكتور طالب عوض .
ويوضح "ان سلبية سياسة الضريبة غير المباشرة او ما يطلق عليه ب ( ضريبة المبيعات ) تتلخص بانها تشمل كل فئات المجتمع ولا تميز بين اصحاب المداخيل المتدنية والعالية , اذ تصل الى نسب عالية وكأن هنالك ضريبة على الضريبة" .
ويشير الى ان الواقع الضريبي في الاردن مرهق لذوي المداخيل المتدنية , ويوسع الهوة بين الفقراء والاغنياء في وقت نحن احوج فيه الى هيكلة النظام الضريبي لمنع تآكل المداخيل ولحماية الامنين الاجتماعي والاقتصادي لافراد المجتمع .
ويصف السياسة الضريبية المتبعة حاليا ب ( غير العادلة ) ,والتي تحتاج والحالة هذه الى اصلاح حقيقي ينعكس بوضوح على اصحاب المداخيل المتدنية وعلى قدراتهم الشرائية مشددا على اهمية اعفاء السلع الاساسية من الضريبة ليس فقط داخل المؤسسات الاستهلاكية وانما في الاسواق التجارية المختلفة .
ويرى ان سياسة الضريبة في الاردن لا تتمتع بالتصاعدية الكاملة او الكافية , بمعنى ان التصاعدية تتوقف عند 12 بالمئة للافراد , وحوالي 25 بالمئة للمؤسسات والبنوك , بيد ان تلك التصاعدية لا تتمتع بالكفاية اللازمة الذي يتيح حسبتها بشكل تصاعدي امثل ينسحب على كل اصحاب المداخيل العالية ويتناسب طرديا مع ارتفاع مداخيلهم .
ويشير في سياق متصل الى اهمية دراسة الهياكل الضريبية لدول راعت المحافظة على منظومة الامن الاجتماعي وعدم المس برواتب واجور الفقراء , مستفيدة من القيم التصاعدية لاصحاب المداخيل العالية ما يمكن الدولة من اعادة توزيع المكتسبات والعوائد لما فيه مصلحة للطبقات الاقل حظا .
ويقول الدكتور عوض انه وفي المجتمعات التي تتوخى العدالة الاجتماعية من المفترض ان يعكس التفاوت في المداخيل , التفاوت في الانتاجية مؤكدا ضرورة توخي نظام ضريبي عادل يراعي الشفافية ويقلل الى اكبر حد ممكن من التهرب الضريبي الذي يضاعف بدوره من اعباء الدولة .
وينوه الى انه لا يوجد نظام ضريبي مثالي لان لكل دولة خصوصيتها وموازنتها ولكن من المفترض باي نظام ضريبي ان يراعي الامكانات المتواضعة للفئات المختلفة في المجتمع وان يحافظ على الطبقة الوسطى فيه , وان يطبق على الجميع دون استثناء مشيرا الى ان الهيكل الضريبي الحالي متحيز لضريبة المبيعات ولا بد من ان تشمل الضريبة السلع الكمالية وان لا تمس السلع الاساسية .
ويؤكد عوض ان السياسة الضريبية الامثل هي التي توازن بين الكفاءة والعدالة في ظل نظام صارم من المراقبة والمحاسبة والمتابعة والتدقيق ما يدعم بيئة اقتصادية مستقرة تنعكس على بيئة اجتماعية مستقرة وآمنة .
ويرى المحلل الاقتصادي الدكتور ابراهيم سيف أن النظام الضريبي الذي يجب اتباعه عليه الانطلاق من فلسفة تحقيق العدالة الاجتماعية التي تقوم على تحسين خدمات القطاع العام لصالح المواطنين في قطاعات الصحة والتعليم والبنى التحتية, كما انه على الحكومة التي تفرض ضرائب ان تهتم بالطرف الاخر للعلاقة ، اي القطاع الخاص وذلك بتسهيل قدرته على العمل والنمو وتخفيض الاجراءات البيروقراطية.
ويبين ان الضريبة في الاردن بصيغتها الحالية تعتمد على الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات ،مشاطرا الدكتور عوض فيما ذهب اليه بقوله ان تلك السياسة لا تعتمد على ضريبة الدخل التصاعدية بالمعنى المطلق، فهناك ضريبة تصاعدية، لكن نسبة الضرائب المتأتية منها محدودة , ويمكن مضاعفتها وتحسينها ، مع الاخذ بعين الاعتبار بتنافسية هذه القطاعات وأن لا تتحول الى عقوبة على الشركات الناجحة .
ويعتقد انه من الضروري ان تصبح عملية اعداد الموازنة القائمة على نظام الضرائب الجديد شفافة وأكثر ديمقراطية بمعنى فرض الضرائب الجديدة ، لا سيما التصاعدية والمباشرة خاصة في ظل الاوضاع الحالية .
ويشدد الدكتور سيف على اهمية التركيز على موضوع التهرب الضريبي ، مبينا ان هناك العديد من الفئات التي تعمد الى التهرب من دفع الضرائب المستحقة عليها ، وتتشارك في الوقت نفسه مع فئات المداخيل المتوسطة بذات المستوى من نسب الضرائب غير المباشرة ما يؤكد ضرورة إخضاعها لمفهوم النسب التصاعدية من الضرائب المباشرة .

-- ( بترا )
ب ح / ا ق / س ط / ات


18/2/2012 - 12:55 م