الملك: الربيع العربي دعوة للكرامة والعدل والحرية ... اضافة ثالثة واخيرة
سؤال: هل هناك ما يبرر ما يظهره جزء من الشعب من نفاد صبر على بطء تقدم الإصلاحات؟
جلالة الملك: أنا نفسي لا أطيق صبرا، لكن علينا أن نعترف أن أمام الحكومة والبرلمان مهمة شاقة، فعليهما تسريع الإصلاحات من ناحية، وإشراك الجميع في العملية من ناحية أخرى، وأنا اقدر تماما أن الاصلاح الشامل المنفتح الذي ينخرط الجميع فيه عملية تحتاج إلى وقت، ولكني أحث البرلمان والحكومة على التحرك بالسرعة الممكنة، خصوصا فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية لأننا نريد للزخم أن يستمر، إذ ليس بمقدورنا أن نخيب أمل الناس ونخاطر بصدقية عملية الإصلاح، ونحن كذلك أمام فرصة غير مسبوقة لنقدم نموذجا إقليميا في التحول الديمقراطي السلمي والتوافقي ولا نريد أن نفوت هذه الفرصة.
سؤال: كيف استطاع الأردن التوفيق بين الإسلام والعلمانية وكيف اثر ذلك على جهود بناء الدولة فيه؟
جلالة الملك: لقد ظل الأردن منذ تأسيسه، بلدا وشعبا مؤمنا برسالة الإسلام الحقيقية، وهي رسالة سلام وتسامح واحترام، وتحديدا بسبب تراثه وهويته الإسلامية، فالأردن نموذج فريد بتنوعه الثقافي والعرقي والديني، فهو فسيفساء مكونة من المسلمين والمسيحيين، وكل يتمتع بحقوقه وحرياته، وليس هناك من تناقض بين الإسلام والتنمية والتحديث والعدالة الاجتماعية والديمقراطية واحترام الآخرين والقيم الأخرى التي تؤمن بها مجتمعات أخرى ممن تصنف كمجتمعات علمانية، والافتراض القائل إن الإسلام لا يتوافق مع الحياة الحديثة أو انه يجب "مصالحته" معها هو افتراض غير صحيح.
في عام 2004 أطلقت رسالة عمان، وكان الهدف الرئيس أن نوضح للعالم الحديث الطبيعة الحقيقية للإسلام وطبيعة الإسلام الحنيف، ولأول مرة في التاريخ، أجمع 500 عالم مسلم من كافة أرجاء العالم الإسلامي، بمن فيهم علماء من تركيا، على إعلان ينص على ما هو الإسلام الحقيقي دون غيره، وما هي الأفعال الذي تمثله وتلك التي لا صلة لها به.
سؤال: أين دور المرأة في الانتفاضات العربية وفي الحياة السياسية المحلية والمستقبلية في الأردن؟
جلالة الملك: أشكرك على هذا السؤال، إننا لم نعط دور المرأة التقدير الذي يستحق بعد، وأنا لا اعتقد أن الحراك الذي حصل في ميدان التحرير وكل الحراكات الأخرى في المنطقة كان يمكن أن يكون بهذا التأثير أو النجاح بدون المشاركة الفاعلة والشجاعة من النساء، ولا يمكن تحقيق أي تغيير إيجابي دائم بدون أن تكون المرأة جزءا لا يتجزأ منه.
ومما يؤسف له أن عدد النساء الأردنيات المشاركات في الحياة العامة والسياسية لا يزال اقل من طموحاتنا، لقد أزلنا العديد من الحواجز القانونية أمام المساواة بين الجنسين وكان التقدم الذي تحقق في السنوات الأخيرة مثيرا للإعجاب، كذلك فقد ضاعفنا الكوتا النسائية في مجلس النواب قبل الانتخابات السابقة عام 2010 وهناك نساء أعضاء في مجلس الأعيان ومجلس الوزراء منذ زمن طويل، ويرتفع عدد القضاة من النساء بشكل مطرد، لكن لا تزال الطريق أمامنا طويلة، لن أستهين بصعوبة العوائق القائمة، لكنني لن أخفي ثقتي بالمستقبل أيضا، فهناك 55 بالمئة من طلبة الأردن من الإناث، وهذه نسبة تبشر بالخير في مستقبل بلدنا.
سؤال: إذا استطاع الأردن أن يدير التغيير التدريجي ،هل يمكن لذلك أن يمكن الزعماء الآخرين الساعين لتحسين وضع حقوق الإنسان ومستويات المعيشة تدريجيا،وهل تعتقد أن الأردن سيكون أيضا نموذجا لدول خارج العالم العربي؟
جلالة الملك: اسمح لي أن أقتبس عن والدي جلالة الملك الحسين رحمه الله واقول إننا نسعى جاهدين لنقدم نموذجا ليس فقط ليحتذي به الآخرون، بل نموذجا يلهمهم لبناء مستقبل أفضل ضمن حدود دولهم، لن يستطيع أي بلد الادعاء أن لديه وصفة سحرية يأخذ بها الآخرون، خصوصا فيما يتعلق بالديمقراطية والحاكمية، وسوف يحدد كل بلد في العالم العربي وخارجه مساره الخاص به والسرعة التي يسير بها، لا بد للتغيير أن يكون نابعا من الداخل حتى يدوم، وبناء عليه فإننا نأمل بالطبع أن ينظر الآخرون إلى قصة الأردن ويستقون منها ما شاءوا من عبر يجدونها مفيدة وقابلة للتطبيق.
ولو شئت وصف كل الجهود والمكونات في العملية الإصلاحية في الأردن بكلمة واحدة لقلت: "الحوار"، فلقد بدأ الإصلاح المتسارع التوافقي والتدريجي بلجنة الحوار الوطني، والحوار الوطني عندنا لا ينحصر بلجنة وينقضي بانقضاء مهمتها، بل نريده متأصلا في حياتنا السياسية.
سؤال: هل كان يمكن للأردن وتركيا لو عملا بتنسيق أكبر أن يوجها التطورات في المنطقة في العام الماضي بشكل أكثر فاعلية، وهل ترى فرصة ضائعة بهذا المعنى؟
جلالة الملك: أنا راض عن مستوى التعاون التركي-الأردني وتجمعنا علاقات وثيقة ومستوى طيب من التنسيق، لكن العام الماضي شهد حالة من عدم اليقين سادت المنطقة، وفي مثل هذه البيئة العصية على التنبؤ ، يستمر الأردن بالتنسيق مع كل جيرانه والتصرف ضمن إطار الإجماع العربي.
سؤال: هل أثر تراجع العلاقات التركية-الإسرائيلية على فرص الحل السلمي للمسألة الفلسطينية-الإسرائيلية سلبا أم إيجابا؟
جلالة الملك: قبل عدة سنوات قال لي الرئيس كلينتون أن الإسرائيليين لن يفاوضوا إلا من موقف قوة، والإسرائيليون الآن ليسوا في موقف قوة، فهم كما تذكر التقارير مختلفون مع الولايات المتحدة حول إيران، وأضروا بعلاقاتهم مع تركيا، ويواجهون مشاعر استياء شعبية متنامية وعزلة بين جيرانهم العرب، بما فيها الدول المعتدلة جدا.
لكن أمام الحكومة الإسرائيلية خيار، فبإمكانها أن ترى في هذا الإقليم المتغير سببا مقنعا للانخراط في مفاوضات سلام ذات معنى لحل جميع قضايا الوضع النهائي وتحقيق حل الدولتين، وبإمكانها أن تلزم موقف العناد بناء على حجة زائفة وهي أن التغيرات الإقليمية تعيق المفاوضات السلمية، ويمكن لهذا الموقف الأخير أن ينطوي على آثار خطيرة بالنسبة لإسرائيل ومكانها المستقبلي في المنطقة في أعقاب الربيع العربي.
سؤال: في مقابلة سابقة، أشرت إلى الأردن باعتباره "الرجل الصامد الأخير" من ناحية استمراره بالعلاقة مع إسرائيل، ما هو دور الأردن إقليميا ودوليا في جهود السلام بين إسرائيل والفلسطينيين؟ وما هي الضغوط التي يواجهها بلدكم من حيث علاقتكم بإسرائيل؟
جلالة الملك: حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحقيق حل الدولتين هو مصلحة وطنية للأردن وهو أيضا يصب في مصلحة المنطقة والعالم، ولم يأل الأردن جهدا لتحقيق السلام وسوف يستمر في العمل من أجل حل عادل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وأنا أكرر دائما القول إن ثمرة السلام هي السلام ، وسيظل السلام بالنسبة إلينا خيارا استراتيجيا، لكن الإحباط الشعبي بسبب السياسات الإسرائيلية في أوجه في كافة أنحاء المنطقة، وحتى الأحزاب والجماعات المعتدلة تاريخيا بدأت تتساءل عن جدوى التوصل إلى سلام مع إسرائيل أو الحفاظ عليه.
سؤال: بدون السلام في الشرق الأوسط، هل يستطيع الربيع العربي أن يجلب أنظمة مسؤولة أمام شعوبها على أساس الحاكمية الرشيدة؟
جلالة الملك: السلام متطلب مسبق للاستقرار والتنمية، وهذان عنصران ضروريان للديمقراطية والحاكمية الرشيدة، فبدون السلام، لن يكون من الممكن تحقيق كامل القدرات الكامنة للمنطقة، وتاريخنا الحديث يشهد بذلك.
-- (بترا)
ب ط / س س/خ
3/3/2012 - 11:16 ص