العرض المسرحي "إنفلات" يزخر بلوحات تعبر عن جدلية الحب والموت وأحلام الشعوب
عمان 10 أيار(بترا)-مجدي التل- زخر العرض المسرحي التونسي "انفلات" بلوحات قاتمة ومشهدية محمولة بمشاعر انفعالية عبرت عن جدلية الحب والموت وما بينهما من احلام وتطلعات الشعوب المقهورة.
العرض المسرحي "الدويتو" (انفلات) الذي قدم أمس الاربعاء على مسرح هاني صنوبر في المركز الثقافي الملكي ضمن مهرجان ليالي المسرح الحر، حمل إسقاطات عن حال المجتمع التونسي قبيل الثورة، هو تعبير حقيقي عن انفلات للمشاعر الانسانية وتداخلها وتناقضها في خضم طرح قضايا واحلام لأفراد يمثلون شريحة من معاناة لمجتمعات وشعوب أسيرة القمع والاضطهاد.
وجسدت الرؤية الاخراجية للمخرج المميز وليد الدغسني، تلك الطروحات من خلال أداء رفيع المستوى للفنانين اماني بلعج ومكرم السنهوري مجسدين شخصيتي رجل وامرأة يسكنان حيا قديما ويحاصرهما الخوف من مهاجمة منزلهما من الغرباء في زمن تعيش فيه البلاد تغييرات واحداث حيث بين الخوف والترقب ينخرطان في نقاش حاد من معقلن للأحداث الى داع للتغيير فتقرر المرأة الخروج للشارع ومواجهة واقع محموم ليبقى الرجل وحيدا يواجه المجهول.
العرض المسرحي انفلات الذي كان الممثل فيه حاملا للمضمون وتميز بوحدة مفرداته من ديكور وملابس وسينوغرافيا، جاء في نسقه الخارجي حيث طغى اللون الاحمر، أكان في الاضاءة او ملابس الممثل (مكرم) والخوذة والهراوة، بالإضافة الى تشكيل المستطيلات المتداخلة على خشبة المسرح والتي مثلت ضيق هامش الحريات، وجاء معبرا عن تلك الروح المتقدة لشهداء الاحداث التي عايشتها تونس علاوة على رمزية العلم الوطني التونسي.
ابرز العرض تلك العلاقة الفكرية التي لم يؤطرها المخرج باطار خاص، وتربط بين شخصيتي المسرحية (الرجل والمرأة)، والتي شكلت في نصها المنطوق حاملا رئيسا للعمل، فيما جاء غير المنطوق من عناصر سينوغرافية تمثلت بالأداء الحركي عبرت عن الاعتصامات والصدامات التي شهدتها تونس في تلك المرحلة مثلما عكست العديد من المفارقات الانسانية ومنها لوحة المستشفى والايماءات باحتضان ما يشبه الطفل، او حتى التحول الطفولي للممثلة(اماني) في احد المشاهد التي تستحضر فيها رغبات وتصرفات طفولية تعكس عمق الحرمان العاطفي الذي افرزته تلك المعاناة.
جاءت عناصر السينوغرافيا متممة للعرض المسرحي ومتكاملة مع النص في مختلف مشاهده رغم انفلاتات قليلة بالسيطرة على توزيع وحركة الاضاءة في بعض المشاهد المسرحية، الا ان الاضاءة المدروسة بتوزيعها وتأثيرها وسياقها المسرحي لا سيما التقطيع الضوئي كناية عن الصدامات، استطاعت ان تعبر عن مضامين العرض وتنسجم مع المؤثرات الصوتية لضوضاء وحشود جماهيرية، والموسيقية لا سيما الاغاني المختارة حيث في لوحة المستشفى شكلت اغنية بالألمانية تحدثت عن الحب والموت خلفية، ما لبثت ان هيأت لمشهد الممثل وهو يرتدي قناعا واقيا من الاسلحة الغازية والمواد الكيماوية.
والعرض الذي ينطلق من واقع جمعي ويعود اليه حيث السلطة والصراع عليها وغياب العاطفة والتسامح حتى بين الشركاء، طرح إسقاطات سياسية واستخدم دلالات وإيماءات تبرز تساؤلات عن دور غير بريء لبعض الفضائيات ومن ورائها، جاء فيه أداء الممثلين متماسكا ومحمولا على نص حمل مضامين عميقة ومقاربات لتسجيلات صوتية تضمنت قراءات شعرية بصوت نزار قباني تتحدث عن العروبة واللغة العربية الفصحى في حين يتداخل مع تسجيل آخر لمقولات مجتزأة من خطاب شهير لاحد الزعماء العرب الذين غادروا المشهد كليا.
ويختتم العرض مشاهده في لوحات متتابعة تصعد فيها الممثلة الخشبة وحيدة وقد صاحبتها موسيقى واغنية باللغة الفرنسية مطلعها "مع الوقت الطويل لم يمكن النسيان" ما تلبث ان تنتقل ذات الممثلة الى حيث مدرجات الجمهور في الصفوف الامامية في محاولة منها لتوفير اكبر قدر من التواصل العاطفي المحموم فيما يدخل الممثل ويتموضع في منتصف الخشبة حيث المستطيل الاصغر ويدور حوار بينهما تعبر فيه الممثلة عما تعانيه من حرمان عاطفي ما تلبث ان تغادر الخشبة بعدها ليبقى الممثل(رفيقها) وحيدا في تموضعه وقد تركزت نحوه الاضاءة فيما غلبت العتمة معظم مساحات الخشبة ملقيا تساؤلات مثيرة اولها، لماذا رفيقته تركته، واخرها فيما لو ظهر ان التاريخ الذي تعلمناه كان كذبة كبيرة.
--(بترا)
م ت/ أ ز
10/5/2012 - 09:19 م