الإعلام الرسمي بين محرمات الماضي ووقائع جديدة فرضها الشارع والتكنولوجيا
2012/04/25 | 19:02:47
عمان 26 نيسان (بترا) - من مؤيد الحباشنة وصالح الدعجة - دخل الاعلام الرسمي الاردني في مخاض جديد فرضته تحديات مرتبطة بقضايا الاصلاح وضغط الشارع الذي يريد ان يسمع صوته عبر وسائل اعلام دولته، فيما اكد مطلعون على الشأن الاعلامي ان الاعلام الرسمي لا يلبي احتياجات المرحلة وما يزال يراوح مكانه بصفته إعلام حكومة ولم يصل به المطاف بعد ليكون اعلام دولة.
ورغم ان قطار الاعلام الرسمي سار بخطى بطيئة نحو المواءمة بين الخروج عن قوالب الماضي وقيوده، وارضاء حق الشارع في التعبير عن رأيه، الا ان البعض يريد فصل التيار عن هذا القطار البطيء اصلا.
ولأن الاصلاح بمختلف مساراته هو عملية شمولية في وقت بات فيه تقدم الدول يقاس بمقدار تقدم وحرية اعلامها، طرحت وكالة الانباء الاردنية (بترا)، من خلال ايمانها بمسؤولياتها تجاه النهوض بمهامها الاعلامية الوطنية، تساؤلات على مختصين في الشأن الاعلامي والسياسي عن الدور المطلوب من الاعلام الرسمي، وما يجب ان يكون عليه، ومدى التغير الذي طرأ على مضمون رسالته.
وبناء على تلك التساؤلات ننقل من خلالها آراء صريحة ومباشرة منها الناقد والذي يرى ان لا جدوى في اصلاح الاعلام الرسمي، والمتفائل بمبادرات ايجابية بدت تطفو على السطح في طرح قضايا يمكن البناء عليها لينتقل الإعلام الرسمي من حلقة التلميع للحكومات الى ما يجب ان يكون عليه كإعلام دولة ينتقد الحكومات ويكشف الفساد، ويعالج قضايا المجتمع بحيادية وموضوعية ومهنية عالية.
طارق مصاروه : الاعلام الرسمي ما يزال مرعوبا وفاقدا الثقة بالنفس
ورأى وزير الثقافة الأسبق والكاتب الصحفي طارق مصاروة ان الإعلام الرسمي لا يمكن إصلاحه، ذلك لأنه قد جرى تدميره بشكل ممنهج حين قفزت إلى رأس هرمه إدارات لا تعرف الإعلام ولا تعي مصالح الدولة.
وعاد الى التذكير ببدايات تأسيس الإعلام الرسمي الأردني الذي لم يكن يستجيب لأوامر رؤساء وزارات وكان يعمل وفق قناعات إعلامية تخدم مصلحة الدولة وليس الحكومات.
وقال "نحن نريد الاعلام الرسمي اردنيا وان لا ندخل في مقارنات مع محطات اخبارية مثل الجزيرة ومع التلفزيون الوطني الذي تختلف رسالته ودوره".
ووجه مصاروه انتقادا للحكومات لعدم اهتمامها بالنهوض بالِشأن الاعلامي ذلك على انها "ليس لها رأي فكيف سيكون للإعلام رأي"، وقال "خدمت وزيرا لمدة خمسة اشهر ولم يبحث موضوعا إعلاميا ولا سياسيا".
وقال ان الاعلام الرسمي ما يزال مرعوبا وفاقدا للثقة بالنفس، والقيادات التي تسلمت القرار الاعلامي ساهمت في التراجع وتدمير مؤسساته، مشيرا الى ان الاذاعة الاردنية كانت في المركز الثاني بعد صوت العرب عند بداية تأسيسها ، اما الآن فأصحاب الكفاءات خرجوا وتضخمت الهياكل الوظيفية والرواتب لا تقاس بالانتاجية.
وبين اننا اذا اردنا اعلام دولة فعلى الدولة ان تعرف ماذا تريد وان يفتح الاعلام ابوابه لأصحاب الكفاءات، وان توقف التدخلات في التوظيف خصوصا في الادارات العليا.
وأشار مصاروة إلى التجربة اللبنانية حين جرى تقييم مؤسساتها الإعلامية الرسمية وتم شطب أربعين محطة تلفزيونية، وأغلق التلفزيون الرسمي ستة شهور لإعادة بنائه من جديد.
طارق المومني : نحتاج لثورة في قطاع الاعلام للتخلص من الحالة التي يعيشها.
و"لا يختلف اثنان على اهمية الاعلام ودوره كقوة تغيير حقيقية في المجتمعات المختلفة خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد تحولاً ديمقراطياً شاملاً " حسبما قال نقيب الصحافيين الاردنيين الزميل طارق المومني الذي رأى وجوب ايجاد حالة اعلامية تؤمن بالتعددية وتفسح المجال امام عرض الرأي والرأي الاخر وتشجيع استقلالية مؤسسات الاعلام المختلفة ادارياً وتحريرياً .
وقال " اذا نظرنا الى اعلامنا الرسمي فإننا نجد انه زاخر بالكفاءات المهنية والحرفية ، غير انه ما يزال يعاني من الاستقلالية التي لطالما نادى بها جلالة الملك عبدالله الثاني ليكون اعلاماً منافساً داخلياً وخارجياً مؤثراً لا متأثراً ، مبادراً لا متلقياً ، وعين الرقيب الكاشف للحقيقة.
وانتقد نقيب الصحافيين سياسات الحكومات المتعاقبة تجاه تعاملها مع الملف الاعلامي، وقال "رغم ان الحكومات المتعاقبة كانت تركز على تطوير الاعلام مهنياً وفنياً وادارياً وتوفير بيئة جاذبة عند تشكيلها ، لكنها تنقلب على توجهاتها ويصبح الاعلام في اخر اولوياتها ، فتغادر قبل ان تقدم شيئاً لها وربما يعود ذلك الى عدم ادراكها لأهميته ودوره في التأثير في الرأي العام".
وشدد على ان هناك حاجة ملحة لثورة في قطاع الاعلام للتخلص من الحالة التي يعيشها وينفض عنه غبار الكسل ويكون قوة تغيير حقيقية ، وان يتم الكف عن التدخل في شؤونه والتخلص من تعدد مرجعياته ، وتطوير كوادره البشرية وتحسين الواقع المادي والمعيشي للعاملين به ليس تمييزاً عن الاخرين ولكن لحجم الدور الذي يقومون به والرسالة التي يؤدونها ، الى جانب رفع سقف حريته لأن الحرية هي روح العمل الاعلامي والصحفي ينتفي بانتفائها.
رمضان الرواشدة : اذا لم يرفع الاعلام الرسمي سقفه فإنه لن يبقى في المشهد
وقال مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الزميل رمضان الرواشدة إن الإعلام الرسمي رغم ما شهده من تقدم ملموس في أدائه إلا انه ما يزال دون المستوى المطلوب وأمامه تحديات لرفع مستوى سقف الحرية المستند إلى المهنية والموضوعية.
غير انه عاد ليؤكد أن الإعلام الرسمي إذا لم يرفع سقفه ويواكب التطورات التي يشهدها العالم والإعلام بشكل خاص فإنه لن يبقى في المشهد ولن يكون له دور.
وقال ان الاردن استجاب لمطالب الحراك وما كان محرما الحديث فيه في السابق اصبح متاحا الان، وخير دليل على ذلك الدستور الذي كان من المحرمات التي يمكن الحديث عنها غير انه تم تعديل مواد واسعة ضمن بنوده .
وبين الرواشدة ان ذلك انعكس على الاعلام الرسمي الذي بدأ يناقش ويعالج قضايا كانت محرمة لأن هناك قرارا سياسيا من جلالة الملك لرفع هذا السقف.
وبين ان الاجواء المصاحبة لهذه الحرية من تعدد وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية التي طرحت موضوعات ونقاشات جريئة تخطت العديد من القيود والحواجز السابقة.
وقال "اعتقد ان التحول لا بأس فيه في منظومة الاعلام الرسمي الذي تأثر هو الاخر بما يحدث حوله وبدأ بشكل تدريجي يواكب ما يشهده الوطن من حراكات ومسيرات ومظاهر احتجاج وما كان محرما عليه في السابق اصبح اليوم مسموحا".
وبين ان امام الاعلام الرسمي الكثير لرفع سقف الحرية خصوصا ان هناك مؤثرات ذاتية واخرى موضوعية فالذاتية مثلا مرتبطة بالخشية من الاقتراب من الملفات الحساسة، اما الموضوعية فهي مرتبطة بالرقيب الاجتماعي ومناقشة القضايا الاجتماعية.
د. محمد الحموري : لا يجوز للإعلام الرسمي ان يستمر بذات النهج العرفي الامني
الخبير الدستوري الدكتور محمد الحموري اكد انه حين تنشر وكالة الانباء الاردنية (بترا) رأيا لي عن مدى دستوية قانون الانتخاب فهذه خطوة للأمام في وقت لم تتجرأ وكالة (بترا) في السابق على نشر انتقادي للحكومة ، وكونها سألتني عن رأي سواء كنت معارضا للحكومة بقضية ما فهذا امر جيد.
واعتبر ان على وسائل الاعلام الرسمية الاخرى ان تبتعد عن نهج الدعاية والتلميع للحكومات وان تفتح المجال للراي الآخر الذي لا يشتم بل يحلل ويصل الى نتائج سواء أكانت مع توجهات الحكومة ام ضدها وكشف اخطائها ومخاطبة الرأي الاردني ، بعيدا عن الاجتزاء والحذف الذي يؤدي الى تشويه ما يقال.
وقال " الاعلام الرسمي في هذه المرحلة لا بد له ان يتجاوب مع هذه التغيرات التي فرضتها المرحلة ويخرج عن قوالب الماضي وقيوده ".
ورأى ان على الاعلام الرسمي ان يفتح الباب لجميع التوجهات سواء اتفقت أم لم تتفق مع الحكومة ونهجها ، بالمقياس أننا اردنيون .
وتابع "واذا تعاطى الاعلام الرسمي على هذا المقياس بأن يبدي رأيه مجموعة من المواطنين لديهم القدرة على تحليل ما يجري ومباركته او نقده وتقديم وجهة نظرهم حياله وبهذه الطريقة يمكن للوطن ان يستفيد من عقول جميع ابنائه.
وفي حديثه عن اعلام الدول المتقدمة بين الحموري انه عندما يظهر رئيس حكومة احدى تلك الدول على التلفزيون لمدة عشر دقائق فإنه يعطى بالمقابل الحق للمعارضة بمقدار الوقت ذاته، لافتا الى ان المغرب نص دستورها صراحة "على ان يخصص الاعلام الرسمي وقتا كافيا للمعارضة ولأصحاب الطروحات".
وحذر من مواصلة الاعلام الرسمي الاردني العمل بذات النهج ،وقال "لا يجوز للاعلام الرسمي ان يستمر بذات النهج العرفي الامني السابق او النهج المتماثل المغلف بقوانين مؤقتة وادارات عرفية تحت ما يسمى ديمقراطية (...) فنحن نريد الآن مرحلة جديدة ديمقراطية يتطابق فيها الاسم مع المضمون.
د. تيسير ابو عرجة: لا بد من رفع سقف الحريات وتعزيز مهنية الاعلام الرسمي
ورأى رئيس قسم الصحافة والاعلام بجامعة البترا الدكتور تيسير ابو عرجة اننا بحاجة الى تعزيز المهنية للاعلام الرسمي بحيث ينافس المحطات والقنوات التي تحظى بالمشاهدة الكبيرة من الجمهور سواء أكان الاردني ام العربي والاستفادة من الطاقات المبدعة الكبيرة التي يتميز بها الاردن من كتاب ومفكرين واعلاميين لتقديم اعلام اردني قوي يحظى بالاستماع والمشاهدة.
وقال " لا بد من رفع سقف الحريات لأن الحرية الاعلامية تحيي المجتمع وفيها متنفس لجميع الآراء وهي تسمح بالتعددية الشرعية التي تغني المجتمع وتعزز ديمومته واستمراره".
واشار الى ان الحرية الاعلامية تعزز توجهاتنا في الاردن نحو الاصلاح والديمقراطية، وهي ذراع اساسي للاصلاح وتعني ان يشارك المجتمع في خدمة بلده ووضع الاسس السليمة لحاضر ومستقبل الاردن.
وشدد ابو عرجة على ضرورة تعزيز المؤسسات الاعلامية ماديا واداريا خاصة التلفزيون الاردني العريق بعمره وتجربته والذي يحتاج الى تعزيز لأجهزته ومعداته والى ايجاد التجهيزات الحديثة حتى يكون قادرا على الوصول للجمهور والى ساحة الحدث.
ودعا الى ضرورة ان ينفتح الاعلام على المؤسسات التعليمية الجامعية فنحن بلد يعتز بهذا الكم الكبير من الجامعات قياسا بعدد السكان التي تزخر بالطاقات الشبابية المبدعة المتطلعة للمشاركة وان يكون لها دور ينفي عنها صفة العنف الجامعي الذي يعطل الطاقات.
ووفق تصور الدكتور ابو عرجة فإن "ما يهمنا ان يكون الاعلام اعلام دولة وعلى قدر طموحات الوطن معبرا عن احتياجات مواطنيه ومواقفهم".
واشار الى ضرورة الإفادة من المبدعين والكفاءات الاردنية والذين تم الاستعانة بهم في الوسائل الاعلامية العربية وابدعوا، ما يعني ان الاعلام الذي نريد هو من يزيل العوائق التي تعترض تطويره وتقدمه خصوصا من النواحي الادارية المالية والمهنية.
ورأى ضرورة ان يكون للاعلام دور اساسي في عملية التغيير التي يقوم بها الاردن بنجاح لأن تجربتنا الاردنية ينظر اليها باحترام خاصة انها تجربة الاصلاح الهادئ العقلاني الرشيد والمتدرج الذي يبتعد عن العنف واراقة الدماء.
علي ابو السكر: الاعلام الرسمي رغم محاولات تطويره ما يزال مترددا
وقال القيادي في الحركة الاسلامية المهندس علي ابو السكر ان الاعلام الرسمي رغم محاولات تطويره ما يزال مترددا ولم يرتق الى مستوى الحدث.
واعتبر ان قوى الشد العكسي ترجع الإعلام الى الخلف رغم وجود كفاءات مهنية كبيرة قادرة على تقديم اعلام وفق المعايير المهنية والاخلاقية.
ودلل على قوله بأن المعارضة لم تأخذ حصتها الكافية في الاعلام الرسمي الذي هو " اعلام حكومة، وليس اعلام دولة".
وقال ابو السكر ان المساحات التي تخصص للمعارضة ضيقة ويجب تحرير الاعلام من سطوة التدخلات التي تفرضها جهات حكومية وامنية، لافتا في هذا الصدد الى ان المحطات الفضائية والمؤسسات المستقلة تفتح مساحات واسعة لاستضافة المعارضة ورموزها.
ودعا الى " ان لا يبقى الاعلام الرسمي مطبلا ومجاملا للحكومات " حسب رأيه.
وقال " رغم ذلك فإنني اشكر محاولات الاعلام الرسمي في الخروج عن القيود المفروضة عليه والانتقال الى مرحلة اعلام دولة".
ورأى ان الاعلام طالما انه منضبط في اداء رسالته بحيادية وفق القانون والاخلاق فإن دوره يكون مسؤولا "، مبينا ان الاعلام الرسمي لم يأخذ فرصته في ان يكون اعلام دولة.
د. فهد الفانك : إعادة وزارة الاعلام ضرورية اذا كان هناك اعلام رسمي
ورأى الكاتب الصحفي الدكتور فهد الفانك ان الاعلام الرسمي يجب ان يكون إعلاما اولا، وهو عمل صحفي من شروطه تعزيز الحرية والرغبة في ممارستها.
وقال ان الحكومات تتحمل المسؤولية عن اخطاء الاعلام الرسمي اذا لم يكن حرا ولكن احدا لن يلومها اذا كانت هناك قناعة بأن الاعلام الرسمي حر.
وبين ان على الاعلام الرسمي ان ينفتح على الجميع ليكون اعلام الدولة والوطن وليس اعلام حكومة فقط، مؤكدا ان وجود الرأي الاخر في الاعلام الرسمي يعطيه ثقة ومصداقية.
وقال ان الاعلام الرسمي يحتاج الى تمويل سخي ، وان يكون قريبا من القرار قبل صدوره وان يعرف الرسالة التي عليه ان يحملها.
وقال الفانك ان اعادة وزارة الاعلام ضرورية اذا كان هناك اعلام رسمي غير انه عاد ليؤكد ان المهمة تظل صعبة في ظل المنافسة العربية والدولية.
د. عبير النجار: على الاعلام الرسمي ان يضع نفسه بالمقدمة ويواكب المستجدات
ورأت مديرة المعهد الاردني للاعلام الدكتور عبير النجار ان الدور الملقى على عاتق الاعلام الرسمي هو ان يخبرنا ماذا يحدث في البلد وان يتعامل مع الجمهور بذكاء لا ان نرى ونسمع ما يشهده الاردن من احداث من المحطات والمصادر الصحفية الاخرى.
وقالت ان على الاعلام الرسمي ان يقوم بإخبار المواطنين عن اخر المستجدات من موقع الحدث، متسائلة "لماذا اسمع انا كمواطنة عما يحدث في الاردن من محطات فضائية؟، اليس ذلك مسؤولية الاعلام الرسمي ممثلة بوكالة الانباء الاردنية والتلفزيون الرسمي!.
ولفتت الى ضرورة الحديث عن مسيرة الاصلاح التي يمضي بها الاردن بوضوح وشفافية وان يفتح الاعلام ابوابه على قوى المعارضة، وعلى جميع الآراء وافكار المواطنين وتوجهاتهم السياسية.
وشددت على ان على الاعلام ان يستجيب لمتطلبات المواطنين ويحاكي خبراتهم اليومية.
واعتبرت النجار ان نقل الاعلام الرسمي لما يدور من احداث على مستوى البلد من شأنه ان يقطع الطريق على الاشاعات وتداول الاخبار غير الصحيحة التي لا تعكس حقيقة ما يحدث.
وبما ان الاعلام الرسمي الذي يتملك المصادر والطواقم المؤهلة كما تقول النجار فإن عليه ان ينهض بدوره من خلال وضع نفسه في المقدمة، وصولا الى إعلام المواطن وليس اعلام حكومة.
--(بترا)
م ح/ص ع/اح / س ط